أمي قالت لي لا!

فن الرفض ( أمي قالت لي لا! )


"فإن القلب المكسور قد لا يكون مختلفًا كثيرًا عن الذراع المكسورة"

طلبت من أمي أن تشتري لي غرضًا فقالت لي "لا", طلبت من مديري إجازة فقال لي "لا" ، تقدمت لخطبة فتيات وجميعهن قالوا لي " لا"

حتى إنني لم أستطع أن أكوّن جماعة وأصدقاء، لاقاني الرفض من كل جهةٍ ، إلى أن أصبحت أخشاه، خطواتي كلها توجّس من أن يلاقيني شبح الرفض كإجابة .

عندما كنت صغيرة وفي المدرسة، كنت أواجه الرفض عندما ترفض فتاة اللعب معي، أو أن تهرب مني فتاة عندما اطلب منها اللعب، كان ينتابني شعور بالألم والقهر يخترق قلبي، لأعود لأمي كل ليلة واسألها لماذا لا يلعبن معي؟

 

 

جميعنا على يقين أن الرفض يكاد أن يكون جزء من الحياة، إلا أن هنالك بعض الأنواع قد يكون صعب التغلب عليها، فمقدار الألم هائلٌ جدًا، ويمكن أن يثير المشاعر والعواطف السلبية إن لم يتم التعامل معه بطريقة ملائمة.

يعود ذلك الشعور المؤلم الذي يراودك عندما يتم رفضك إلى البشر الاوائل ، عندما كان يتم نبذ الفرد من قبيلته ، ليخرج خارج حدود قبيلته وحيدًا ومنبوذًا ومتألم. وقد تراه اليوم موجوداً عندما يتم نبذ فرد خارج موطنه أو دولته، أو في السجون عندما يتم نبذ السجين للسجن الإنفرادي لفترة مهولة من الزمن. ولذلك تعد حاجة الإنسان للإنتماء لقبيلته أو أسرته أو موطنه حاجة أساسية مثلها مثل الأكل والشرب .

في الواقع، تستجيب أدمغتنا للرفض بشكل مشابه للألم الجسدي

قام الباحثون في جامعة كنتاكي بدراسة حول فرضية ألم الرفض مقارنة بالألم الجسدي، أعطوا المتطوعين عقار  ) Acetaminophen

وطلبوا منهم تذكر المواقف التي تعرضوا لها بالرفض،   

وجدوا أن الذين تناولوا العقار أقل تعرضًا للألم من أولئك الذين حصلوا على عقار يحتوي على السكر.وأظهرت دراسات أمريكية أخرى أن ألم الرفض أكثر خطرًا من عنف المراهقين، والفقر أو العصابات ، وأثبتت الدراسات أنه حتى الرفض البسيط يقود الناس إلى شن عدوانهم على الأبرياء. وتعتبر العمليات الأخيرة في طلق النار في الجامعات، والعنف ضد النساء مثال على خطورة الرفض.

أنواع الرفض عديدة، أشدّها الرفض الإجتماعي والعاطفي

يمكن أن يجعلنا الرفض نشعر بمشاعر هائلة، تتراوح من بين الإرتباك إلى الحزن إلى الغضب . وفي كثير من الأحيان، لا يفهم الناس بالضبط سبب رفضهم، مما قد يؤدي إلى دوامة من التأمل السلبي والشعور العام بعدم الشعور "بالرضا الكافي" ، كما أوضح ديوال في مراجعة حديثة ( الإتجاهات الحالية في العلوم النفسية ، 2011) ويقول إن الأشخاص الذين يشعرون بالإقصاء بشكل روتيني لديهم نوعية نوم أقل، ولا تعمل أجهزتهم المناعية بشكل جيد مثل الأشخاص الذين لديهم روابط إجتماعية قوية. 

في الواقع، من الصعب جدًا العثور على مواقف لا يكون فيها الرفض مؤلمًا، ولحسن الحظ، فإن معظم الناس يتعافون من نوبات الرفض القصيرة، وحتى تلك التي سببت لك مشاعر ألم طويلة الأمد يمكن علاجها إذا اتخذت خطوة اتجاه رحلة تعافيك.

"الرفض يُعلمنا أن الألم ليس نهاية الطريق، بل يمكن أن يكون بداية للنضوج الروحي وتشكيل طابعنا الداخلي، لأننا نتعلم الكثير عن أنفسنا وعن قوتنا في أحلك اللحظات."

والسؤال هو : كيف يمكنك العودة من الرفض وأنت تشعر أنك أقوى؟

على الرغم من أن هذه التجربة مؤلمة، ولكن في الحقيقة التعرض للرفض قد يفيدك ، يعلمنا قيمة التسامح والعزم، لأننا ندرك أن الشفاء يأتي من قبول الواقع والتقدم للأمام رغم الصعاب.

أدرك لماذا الرفض مؤلم.. كما ذكرت في البداية إن مشاعر الرفض رغم قوتها إلا أن سببها طبيعي جدًا ولا يوجد بشري على سطح الأرض لا يشعر بذلك الشعور، فأنت لست ضعيف أو حساس بل بالعكس ! ، شعور الرفض وُلد معك وطريقة تعاملك معه يعتمد على عوامل أخرى مثل تأثير طفولتك والمجتمع الأول ( الأسرة ) بك، ولكن إدراكك أن هذا الشعور طبيعي خطوة جبارة كبداية.

يقول بهار: "في بعض الأحيان، قد يسعى الشخص إلى تحقيق هذا التخلي من خلال الإرتباط الفوري باهتمام حب آخر."

في العلاقات الرومنسية يكون الرفض فيها الأسوء لأنها تحتوي على مكون حميمي يقود الأفراد للشعور بالضعف وبالتالي يسبب مزيد من الأذى بشكلٍ أكبر. والعلاقات ياعزيزي القارئ هي تجارب ، قد لا تكون ناجحًا في البداية، إلا أن محاولة الوصول إلى السبب الجذري وراء عدم نجاح الأمور يساعدك على أن تكون أكثر وعيًا في العلاقات المستقبلية.

وهذا يجعلني أنتقل للنقطة الثانية ألا وهي ممارسة الرعاية الذاتية ووضع نفسك في بيئة إيجابية ورعاية.

يقول جوتليب: "في أعقاب الرفض مباشرة، لا نركز في فكرة الرفض لأننا نشعر بألم شديد".

عندما تُرفض سوف تغمر بشعور الغضب والأذى ، ولكن خلافًا للنصائح السائدة بأن تلكم وسادة أو تصرخ،  لا يساعد ذلك في تقليل المشاعر بل بالعكس من المحتمل أن يزيده !

لذا من المهم جدًا أن تتبع الرعاية الذاتية.

 يوصي بهار على وجه التحديد بممارسة ما يعرف

(بمهارات تحمل الشدة، وهي مجموعة من المهارات المستخدمة في العلاج السلوكي   الجدلي  ( DPT

المصممة للبقاء على قيد الحياة وإدارة الأزمات العاطفية.

 تتضمن مهارة التهدئة الذاتية بأن تهدئ كل حواسك الخمس، حاول الاستمتاع بشيء بصري مثل النظر إلى صور جميلة أو وضع الزهور في غرفتك؛ أو تناول مشروبًا دافئًا ببطء؛ أشعل شمعة ذات رائحة طيبة أو حتى ارتدي بيجامة ناعمة لتشعر بالدفء والراحة. توصي بيكر فيلبس أيضًا بالأنشطة البدنية مثل ممارسة الرياضة والجري وممارسة اليوجا والتأمل. بدلاً من الدخول في حالة تفكير زائد وإجترار لأفكارك وللألم .

خذ بعض الوقت لمعالجة مشاعرك ، بعد أن تأخذ بعض الوقت لتهدأ وتستقر  من المهم الانتباه إلى ما تشعر به  والطريقة الرائعة للقيام بذلك هي تدوين كل ذلك في دفتر يوميات.

تقول بيكر فيلبس إن أحد التمارين التي يمكنك القيام بها هي كتابة قائمة بكل المشاعر التي تشعر بها حرفيًا، ثم ربطها بالأفكار المصاحبة لتلك المشاعر، لتصبح مشاعرك وأفكارك غير متشابكة "إن مشاعرك ليست صحيحة أو خاطئة أبدًا، بل هي فقط موجودة" وكلما انتبهت لمشاعرك، تذكر أنه ليس من المفيد أبدًا أن تشعر أنك لا ينبغي أن تشعر بطريقة معينة، مشاعرك موجودة إذًا هي مهمة، قدّر تلك المشاعر وضع لها إعتبار، فهي جزء من روحك و كينونتك ، تجاهلك لها ما إلا تجاهل لروحك وذاتك.


ولآخر نقطة ركز معي بحرص.. تجنب الإجترار وبدلاً من ذلك أكد على قيمتك الذاتية..

جميعنا بعد الرفض نميل أن نوبخ أنفسنا ، نشعر بالعار من أنفسنا، وكأن الخطأ فينا ! وينتهي بنا الأمر إلى التفكير بسلبية وتصبح "عملية الإجترار" طريقة لجلد ذواتنا ، لذا من المهم أن تراقب أفكارك تلك، كمثال إذا كانت لديك أفكار مثل "أنا غير محبوب" بعد أن تم رفضك من قبل شخص تحبه، فمن المهم أن تعترف بأنها مجرد فكرة وليست واقع، يمكنك أن تكون غير محبوب من قبل شخص، لسنا محبوبون من قبل جميع البشر، ولكن لا تجعل رأيه عنك يحدد قيمتك الذاتية عن نفسك، أنت فقط من يحدد لنفسك إذا أنت محبوبًا أو لا.  "إنه مجرد شعور، إنه مجرد فكرة – إنها ليست حقيقة." لذا أكتب قائمة بجميع أفكارك الإيجابية وأبدأ يومك بقراءتها لنفسك بصوتٍ عال ستساعدك هذه التأكيدات الذاتية على الشعور بالقوة بمجرد التعرف على هويتك الحقيقية وكيف تعرف نفسك، خاصة في مواجهة الشك الذاتي الذي غالبًا ما يأتي مع الرفض.

 

شعور الرفض يمكن أن يكون قويا ومؤلمًا، لكنه يقدم فرصة للنمو والتطور. فالحياة مليئة بالمصاعب والسقوطات لذا أشجعكم على إستغلال هذه التجارب السلبية لبناء المرونة العاطفية وتعزيز الثقة بالنفس.

وحين تكبو إنهض


ماريا محمد
مدققة لغوية
ماريا محمد
رئيس التخطيط والتطوير
خلود البناء
منتجة وسائط متعددة
خلود البناء
منتجة وسائط متعددة
نبأ الأمين
محررة / كاتبة محتوى
نبأ الأمين
محررة / كاتبة محتوى