جزيرة سنتينليز - القبيلة الأكثر عزلة في العالم
بقلم/ نهى الغامدي.
هل خطر لك يومًا أنّ هُناك مكانًا على وجه الأرض بعيدًا عن التواصل البشري فلا يوجد لدى سكانه انترنت أو هواتف، حتى أنهم لم يعرفوا من الحضارة شيئا ولم تصلهم السيارات والأجهزة الكهربائية. وهل خطر يومًا ببالك أن هناك بشرًا مازلوا عالقين في العصر الحجري؟
إن خطرت هذه الاسئلة برأسك فسيكون الجواب نعم، لأنه هناك مائة أو أكثر من القبائل "غير المتصلة" بالعالم، وقبيلة سنتينليز هي بلا شك الأكثر عزلة. فخلال هجمات الاستعمار من الدول الكبرى والعولمة الاقتصادية، قاومت هذه القبيلة كل محاولات الاتصال بالعالم الخارجي تقريبًا لآلاف السنين ــ وفي بعض الأحيان بالعنف.
فجزيرة سنتينليز النائية التي تقع في جزر أندامان في الهند والتي ذاع صيتها في نوفمبر 2018، عندما تصدرت عناوين الصحف بعد مقتل المُبشر الأمريكي جون تشاو، الذي ذهب إليها لنشر المسيحية فيها.
لكن كيف سمع تساوي عن الجزيرة، ومتى قرر الذهاب إليها؟
بالتأكيد كان هناك من سبقه إليها، على فترات متباعدة خلال خمسة قرون منذ المرة الأولى التي وصل إليها كائن بشري ليس من سكانها الأصليين، لكن أولا من هم سكان جزيرة سنتينليز المنعزلة؟
هم قبيلة بدائية جدًا، صيادون وجامعو الثمار، ويُعتقد أن السنتينيليين يعيشون في أكواخ جماعية كبيرة بها عدة مواقد مشتركة بين العائلات، والتي يمكن رؤيتها أحيانًا على الشاطئ. ترتدي النساء خيوطًا من الألياف مربوطة حول خصورهن وأعناقهن ورؤوسهن، ويرتدي الرجال القلائد وعصابات الرأس، وخيوط خصر أكثر سمكًا. يحملون دائما الرماح والأقواس والسهام، ولا يملك العلماء أي معلومات عن عدد سكان الجزيرة لكنهم يقدرونه بين 100 و500 نسمة تقريبًا..
لكن متى تم اكتشاف هذه الجزيرة لأول مرة؟!
يعود ذلك إلى عام 1867، عندما اضطرت سفينة تجارية هندية إلى النزول على الجزيرة بسبب الرياح الموسمية الشديدة التي أدت إلى تحطمها ونزول الطاقم إلى الجزيرة بعد أن رأوا نيراناً مشتعلة في الغابات، لكن ذلك لم يرق لسكان الجزيرة مما دفعهم إلى الهجوم عليهم بالسهام. وقد تمكن الطاقم من الدفاع عن أنفسهم بأسلحة بدائية حتى جاءت البحرية الملكية لإنقاذهم، وفي عام 1880، عاد البريطانيون لزيارة الجزيرة واكتشفوا قرية مهجورة في الداخل. فاختطفوا ستة أفراد من سكان سنتينليز، ومرضوا جميعًا عند تعرضهم للعالم الخارجي.ثم بحلول عام 1896، هرب مجرم من سجن عقابي في جزيرة غراند أندامان، والتي تبعد عن سنتينليز حوالي 50 كيلومترا حيث بُنيت لسجناء الهند التي كانت تحت الاستعمار البريطاني، وحيث أن أقرب مكان له هو الجزيرة فهرب إليها، لكن بعد أيام وجده فريق البحث ميتًا بالسهام وحلقه مقطوع.
وقد تكررت الحملات الاستكشافية حتى كانت وفاة جون تشاو البالغ من العمر 26 عامًا على يد قبيلة سنتينليز، والتي سلطت الضوء على هذه القبيلة، والذي كتب في الليلة التي سبقت مقتله، في مذكراته: "يا رب، هل هذه الجزيرة هي المعقل الأخير للشيطان حيث لم يسمع أحد أو حتى تتاح له الفرصة لسماع اسمك؟!" وقد أبرزت هذه الحادثة المأساوية التي تورط فيها جون تشاو أهمية احترام عزلة شعب سنتينيليز والحاجة إلى اتباع نهج مسؤول وأخلاقي عند التعامل مع القبائل المعزولة وغير المتصلة بالعالم. حينها منعت الحكومة الهندية الاقتراب من الجزيرة أو محاولة الاتصال بأهل سنتينليز، وذلك لحماية القبيلة من الأمراض التي ليس لديهم مناعة ضدها، واحترام رغبتهم في العزلة. وتتواجد السفن وطائرات خفر السواحل وقوارب الشرطة البحرية بشكل دائم في الجزيرة لمراقبة سلامة القبيلة من خلال الالتزام باللوائح التي وضعت. كما تم تخصيص مناطق بحرية ساحلية تصل مساحتها إلى خمسة كيلومترات كمناطق محمية قبلية. ويهدف هذا إلى ضمان بقاء الأسماك والسلاحف وغيرها من الكائنات البحرية وفيرة للاستخدام الحصري للمجموعات القبلية المعرضة للخطر بشكل خاص.
بعد كارثة تسونامي في المحيط الهندي المدمرة عام 2004، ثارت مخاوف بشأن قدرة قبيلة سنتينليز على النجاة. ولكن يبدو أنهم صمدوا في وجه الكارثة، حيث رصد المسح الجوي أفراد القبيلة وهم يطلقون السهام على الطائرات التي كانت تحلق على ارتفاع منخفض.