أسرار التدفق الذهني
تشبث بهواياتك التي تسعدك

بقلم/ نبأ ألامين

«السعادة ليست وليدة نية أو إصرار مسبق، بل هي نتيجة غير مترقبة لتكريس الإنسان نفسه لما هو أسمى من ذاته ومعطيات حياته»

هل سبق ومرت عليك حالة شعرت فيها أنك منغمس تمامًا وغارق في عملٍ ما؟ تخيل أنك رسّام، ويتركز انتباهك في اللوحة التي أمامك، وفي أفكارك، وفي الفرشة التي بيدك، والألوان التي ستدمجها، وتصبح مُغيبًا عن الوقت والعالم الذي حولك، قد تشعر بالتعب في أصابعك أو بالإرهاق ولكنك بالكاد تلاحظ ذلك.

تسمى هذه الحالة "بالتدفق".

فإذا وجدت نفسك تفعل شيئًا تحبه، مثل تشغيل الموسيقا أو ممارسة رياضة معينة، قبل أن تدرك أن الوقت قد فات تمامًا، غافلاً عن العالم الخارجي، مركّزًا فقط على تقدمك وما يحدث هنا والآن.

فمن المحتمل أنك كنت في حالة تدفق ذهني.

وعلى عكس المُتعارف به أن اللذة العقلية والسعادة تأتي في لحظة السكون والاسترخاء، ذكر الباحث والمعلم ميهالي شيكزنتميهالي في إحدى المقابلات كيف كان يشاهد الرسامين في استوديوهاتهم وكيف كان مفتونًا بقدرتهم على نسيان كل شيء أثناء العمل. كما تفاجأ بما حدث بعد انتهائهم أنهم كانوا ينهون عملًا فنيًا، وبدلاً من الاستمتاع به... كانوا يضعونه على الحائط ويبدأون في رسم لوحة جديدة. لم يكونوا مهتمين حقًا باللوحة النهائية.

وسرعان ما استنتج من تلك الحالة ما يُسمى بالتدفق، حيث تنطبق على الأشخاص في العديد من الأنشطة المختلفة، سواء كانوا متسلقي الصخور أو لاعبي كرة السلة أو الراقصين أو الملحنين أو أساتذة الشطرنج أو أي عمل ونشاط يستمتع به الفرد.

حتى الطفل الصغير عندما يبني بيتًا بألعاب الليغو يدخل في حالة تدفق وسعادة ولذة مطلقة.

وذكر شيكزنتميهالي مشكلة عصرنا الحاضر، الذي يعج بالراحة والرفاهية والسبل المتنوعة للتعلم ومزايا التقدم العلمي والتقني، أننا ندرك أن كثيرين منّا ما زالوا يشعرون بالفراغ الروحي والنفسي، فبدلاً من الشعور بالسعادة نجدهم يشعرون بأن حياتهم متخمة بالتوتر ومفعمة بالملل، وذلك أسبابٍ عديدة.

 من ضمنها ترقبنا للسعادة والرضا من عوامل خارجية، متناسيين أن نظرتنا لتلك العوامل هي الأساس للإحساس بالسعادة. فالسعادة إحساس ذاتي وحالة فردية يستطيع الإنسان الاستعداد لها، وغرسها في أعماقه والاحتفاظ بها إذا أراد.

كيف تصل إلى حالة التدفق الذهني؟

للوصول لحالة التدفق يتطلب أن تكون المُهمة في المستوى المناسب لمهارات الفرد لا صعبة للغاية ولا سهلة للغاية بحيث تكون مملة.

فلن تشعر بالتدفق مثلًا وأنت ترتب غرفتك أو تفعل أمرًا بسيطًا، رغم أنه قد يكون ممتعًا للبعض إلا أن المهمة لا تنطوي على بعض التحديات، فأنت تحتاج أن تختزل جميع حواسك في مهمة واحدة وتنقل كل تركيزك إليها.

وذكر شيكزنتميهالي في كتابه "ما وراء الملل والقلق: تجربة التدفق في العمل واللعب" أن الألعاب من الأنشطة التي لا شك أنها تساعد على الوصول إلى حالة التدفق، واللعب هو أفضل تجربة تدفق بلا منازع". ولهذا نرى حرص مطوري ألعاب الفيديو على إضافة عناصر التشويق لألعاب الفيديو التي يصممونها حتى يصل اللاعب إلى حالة التدفق.

الهدف الرئيسي من الوصول إلى حالة التدفق الذهني هو إثراء حياتنا من خلال الانخراط في الأشياء التي نحب القيام بها، بدلاً من الشعور بالضجر أو الإحباط بسبب معيقات الحياة المعقدة. فالقيام بالأشياء التي نستمتع بها كثيرًا يساعدنا على الاستفادة من المعنى الأعظم للحياة.

وكما وصف أحد الفلاسفة تجربتَه الشخصية لحالة التدفق الذهني قائلًا : "إنَّ حوارًا جيدًا غالبًا يُفضي إلى حالة التدفق الذهني، حينها لا أشعر بنفسي ولا بالعالم من حولي ولا بمرور الوقت، ثم عندئذٍ أندمِج كليًّا في الحوار، فكل شيء يحدث بسلاسة. تُعَدُّ هذه التجربة تحديًا ولكن ليس بالقاسي.

وكَكُل التجارب الممتعة؛ ستعلم أنّك في حالة التدفّق الذهني ليس أثناء حدوثها، وإنّما عندما تشتاق لها بعد انتهائها".


خلود خالد البناء
منتجة وسائط متعددة
خلود خالد البناء
رئيسة قسم التصميم الإبداعي
أسماء امين
مدققة لغوية
أسماء امين
منتجة ومعدة بودكاست