الوباء الصامت في العصر الحديث.. كيف تتغلب عليه؟
بقلم/ نباء الأمين
"بين الحين والآخر، كنت أشعر بطعنة عنيفة من الوحدة، الماء الذي أشربه، والهواء الذي أتنفسه،كأنهما إبرتان حادتان تخترقان روحي، لقد كنت أسمع جذور الوحدة تزحف من خلالي، حينها بدا كل شيء صامتًا من حولي"
ــــــ هاروكي موراكامي
شعور الوحدة معقد؛ ذلك الشعور الذي يغمرك عندما تأكل في المطعم وحيدًا، أو تنتقل لمدينة جديدة وتجد نفسك وحيدًا فيها، أو حين تكون في صف دراسي مليء بالطلاب ولكنك تظل وحيدًا، أو عندما ينشغل أحباؤك عنك في العطلة الأسبوعية.
ولكن شعور الوحدة لم يعد مسألة بسيطة قليلة الانتشار، نحن الآن في أكثر العصور تطورًا وإندماجًا وانفتاحًا على بعضه، ومع ذلك هنالك عدد هائل ممن يشعر بالوحدة رغم قدرتنا على التواصل بسهولة.
الشعور بالوحدة يختلف عن كونك وحيدًا، قد تنعم بعزلتك وحيدًا مع كتابك المفضل تحت إضاءة خافتة في ليلة هادئة، وقد تشعر بالوحدة وسط جلوسك مع جماعة من الناس، وعلى عكس الاعتقاد المتوقع، إن الشعور بالوحدة يأتي فقط للذين لا يستطيعون التحدث أو لنقل أصحاب المهارات الاجتماعية الضئيلة. ولكن حسب الدراسات السكانية، مهاراتك الاجتماعية لا تصنع فرقًا بما يخص شعورك بالوحدة، لذا يمكن أن تؤثر الوحدة على الجميع دون تفرقة. القوة والشهرة والمال والشخصية الرائعة كلها لا تحميك من الشعور بالوحدة.
ولكن ماهي الوحدة؟
الشعور بالوحدة هي حالة من الاحتياج إلى اتصال عميق وليس سطحي، لتلبية احتياجاتك الاجتماعية، كشعورك بالجوع حيث تركض لتلبي احتياجك البسيط ذاك. ونحن بطبيعتنا اجتماعييون نحتاج للترابط الاجتماعي للبقاء، حيث اهتم أسلافنا بذلك الترابط الاجتماعي وتكوين المجتمعات، لذا أصبح كوننا اجتماعيين جزءًا من تكويننا الجسدي. لقد ولدت في مجموعات مكونة من 50 فردًا ومن المفترض أن تكون في جماعة حول ذلك العدد طوال حياتك، الأكل والبقاء دافئًا وآمنًا، وتربية نسلك،جميعها أمور من المستحيل تحقيقها بمفردك عمليًا، كوننا معًا يعني البقاء وكونك وحيدًا يعني الانتهاء.
لقد أصبحت الدول تتسارع لحل هذه الأزمة الكونية! ففي بريطانيا أصبح هنالك تزايد في الشعور بالوحدة بين المواطنين مما دفع بالحكومة البريطانية لتعيين وزير متخصص بموضوع الوحدة.
وفي مقابلة مع الدكتور رانجان تشاتجري في جريدة ذي تايمز قال: لقد عرف العلماء منذ فترة طويلة أثر العزلة الاجتماعية السامة. فمنذ عام 1979 وجد أن الأشخاص الذين لديهم عدد أقل من الروابط الاجتماعية كانوا أكثر عرضة بثلاث مرات للموت المبكر من أولئك الذين تربطهم علاقات اجتماعية أكثر".
ذكر أيضاً "أن الشعور بالوحدة يعني أنك أكثر عرضة بنسبة 30% للإصابة بسكتة دماغية أو نوبة قلبية. فالضغط الاجتماعي المرتفع والناجم عن العزلة هو عامل خطر ومسبب للوفاة بنسبة أكبر من الخمول البدني وتناول الكحول والتدخين معاً ".
و تشير الأبحاث إلى أن شعورك بالوحدة يمكن أن يزيد من التوتر، ثم أضف لذلك زيادة خطر الإصابة ببعض مشاكل الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والقلق ومشكلة تدني تقدير الذات.
ما الذي يسبب الشعور بالوحدة؟
الشعور بالوحدة ليست مشكلة نفسية، ولكنه وجود اضطرابات نفسية قد تسبب وتعزز من شعورك بالوحدة. كمثال، إذا كنت تعاني من الاكتئاب أو اضطرابات نفسية أخرى قد تميل إلى تجنب المناسبات الاجتماعية، وتجد صعوبة في تجربة ما هو جديد، وتشعر بالقلق من رأي الناس بك، وتجد صعوبة في التحدث والتواصل مع الناس مما يزيد من خوفك من عدم فهم الآخرين لك وتشعر كأنك عبءٌ على الآخرين.
وقد يؤثر شعورك بالوحدة في صحتك النفسية مما يسبب لك اضطرابات نفسية أخرى.
ليس هنالك سببٌ محدد لشعورك بالوحدة، إن ما يجعلك وحيدًا لن يؤثر بالضرورة بشخص آخر بنفس الطريقة.
وغالبًا ما تكون الوحدة نتيجة للتغيرات المتقلبة الحياتية أو الظروف القاسية لحياة الفرد والتي تعرضه للشعور بالوحدة، ومن تلك الأسباب:
العيش وحيدًا أو الانتقال إلى مكان جديد بمفردك دون عائلة أو أصدقاء.
صدمات نفسية مثل وفاة شخص مقرب.
انفصال من علاقة.
التقاعد أو ترك العمل أو تغييرك لوظيفة جديدة.
بدء مرحلة دراسية في مكان جديد مثل الجامعة.
المعاناة من اضطرابات نفسية.
تربية طفل بمفردك دون شريك.
ومن النصائح التي قد تساعدك للخروج من شعور الوحدة :
اعترف بمشاعرك وكن واعيًا لها
الخطوة الأولى للتغلب على أي شعور سلبي هو اعترافك بوجوده، لذا اعترف بشعور الوحدة وحاول التحدث عنه مع شخص مقرب لك أو حتى طبيبك النفسي أو فرد من عائلتك، وإن كان سبب شعورك هو حدوث فاجعة لك أو تقلبات حياتية فإن إخبارك للمقربين به سيساعدك كثيرًا.
اعرف متى تتوقف عن التفاعل على الإنترنت
إن برامج التواصل الإجتماعي ساعدتنا في تقليل شعور الوحدة والتواصل أكثر، ولكن اعتمادك على التواصل الإلكتروني فقط لا يعتبر تواصلًا حقيقيًا وقد ينعكس عليك بأضراره، فإن تسجيلك للإعجابات والمحادثات القصيرة مع صديقك في تويتر لا تعتبر بديلاً للأحضان والمحادثات الطويلة الواقعية والتواصل البصري مع صديقك في الواقع.
لذا إن شعرت أنك تستطيع رؤية صديقك فارفع السماعة واتفق معه على موعد للقاء، فالخبراء يوصون على أن يكون هنالك تفاعل واحد في الأسبوع على الأقل لتوازن عقلي.
ولكن قد يكون التواصل على الإنترنت مريحًا لبعض الأشخاص، خصوصًا أنها توفر أريحية أكثر في التواصل وحدودًا أقل وتنوعًا أكثر في طريقة التواصل. لذا من المهم أن تعرف ما المناسب لك. فإن كان التواصل الإلكتروني مفيدًا لك حاول دمجه واقعيًا، وإن كان التواصل الإلكتروني سلبيًا عليك استبدله بأصدقاء ونشاطات واقعية.
ابحث عن فرص تطوعية
إن النشاطات التطوعية تقلل من التوتر ومشاعر الاكتئاب وتساعدك في تكوين الصداقات أو التواصل مع الآخرين بطريقة سهلة.
فإن المساهمة في وقتك وطاقتك في قضية نافعة للمجتمع تقلل من شعورك بالوحدة وتزيد من شعورك بالرضا الذاتي والإنجاز والسعادة.
تطوع مثلًا في مستشفى أطفال، أو توزيع الوجبات للفقراء، أو زيارة في دار رعاية المسنين.
الرعاية الذاتية
إلى جانب التواصل أكثر فإن الرياضة والأكل الصحي والنوم المناسب وأشعة الشمس لها تأثير على شعورك بالوحدة ويعتبر حلًا من حلول التغلب على الوحدة.
ولقد ثبت أن التمارين الرياضية تفرز هرمون يسمى الإندروفين ويسمى أحيانًا بهرمون السعادة نظرًا لقدرته على تحسين المزاج ورفع شعورك بالرضا والسعادة.
وحيث يمكن لأشعة الشمس أن تفعل الشيء ذاته، فإن عدم تعرضك للشمس إطلاقًا قد يسبب لك بعض المشكلات الأخرى أنت في غنىً عنها، لذا تعرض للشمس من فترة لفترة بشكل كافٍ وتأكد من اتباع النصائح حول كيفية التعرض للشمس.
إن النظام الغذائي الصحي بطبيعة الحال له تأثير في صحتك النفسية والجسدية أيضًا، لذا فإن الأغذية التي تكون فيها نسب السكر والدهون عالية بجانب المواد الحافظة قد يكون لها آثار سلبية على صحتك. حاول أن تدمج الغذاء المتكامل كبداية وتتدرج فيه إلى أن تتغلب على إدمانك لبعض الأطعمة المضرة.
وترتبط جودة النوم ارتباطًا وثيقًا بالصحة العاطفية. يمكن أن تؤدي مشاكل النوم إلى تفاقم شعور الوحدة والعزلة؛ حاول أن تحسن من جودة نومك وقلل من السكر والكافيين قبل النوم، ولا تتعرض للأجهزة الإلكترونية، وتأكد أن غرفتك هادئة ومظلمة.
عندما تتداخل مشاعر الوحدة مع حياتك من المهم أن تسعى في معالجتها، وإذا تركت هذه المشاعر دون علاج قد تودي بك إلى مشاكل أكثر خطورة بما في ذلك الاكتئاب أو حالات نفسية أخرى.
إذا كنت تعاني من الوحدة، فكر في طلب المساعدة من أخصائي أو شخص مقرب منك تثق به.
يمكن أن يساعدك المعالج على فهم مشاعرك وتقديم نصائح تناسبك وتناسب ما تتعرض له.
وتذكر دائمًا أن المساعدة التي يمكن يقدمها لك طبيبك يمكن أن تساعدك وليس فقط أنت وحسب، ولكن أيضًا عائلتك وأحباءك.