كبرت وكبر الوحش

   دائم ما يقولون للطفل علىٰ لحظات الفقد والمواقف السيئة تكبر وتنسى، والحقيقة أنه ستكبر ولن تنسى، وسيظل ذاك الظلام المصاحب لتلك المواقف_ الوحش_ يكبر.

مرحلة الطفولة من أكثر المراحل الحساسة في حياة كل إنسان؛ لأنها أساس استكشاف الأشياء واستكشاف الطفل لنفسه وصنع ذكرياته الخاصة. ويبقى جزء كبير من الذكريات محفوظًا في ذاكرة الطفل خاصةً السيء منها والصادِم.

 صدمات الطفولة لا تنسى، وأظهرت الدراسات أن الأطفال الذين تعرضوا لصدمات مثل التعنيف، التحرش، الإهمال وغيرها، يكونون أكثر عرضة للإصابة بمشاكل نفسية عند بلوغهم كالاكتئاب، القلق ،اضطرابات ما بعد الصدمة، تأثير سلبي على الثقة بالنفس والعلاقات الاجتماعية مما يؤدي لعدم القدرة على التعامل مع الناس، زيادة احتمالية التعرض للإدمان على المخدرات أو الكحول، كما يكونون عرضة للإصابة بالأمراض الجسدية المزمنة كأمراض القلب.

  في مثالٍ لعدم النسيان كان قد سُئل أحد المشاهير المصريين _ محمد سعيد _في لقاءٍ تلفزيوني عن جدته فقال أنها كانت تعطيه جنيهًا في الأعياد بينما تعطي البقية أكثر ولم ينس إلى الآن تلك التفرقة مع أن عمره ناهز عن الستين.

وفي مثال آخر فقد ألّفت الروائية المشهورة بثينة العيسى روايةً بعنوان كبرت ونسيت أن أنسىٰ، والتي ذكرت في مطلعها الآتي:-

( قالوا لي دائمًا تكبرين وتنسين، عندها سقطت وشُجّ حاجبي، عندما أجبرتني معلمة الرياضيات على الوقوف ووجهي للحائط لأنني نسيت أن ٧×٦= ٤٢، عندما انكسرت دراجتي ولم يشتروا لي أخرى لكي لا أكسرها، عندما انكسرت زجاجة روحي ..)

تلك الأمثلة حقًا تُبرهن أن الطفل لن ينسى وأن الوحش سيكبر، لذا لا تنخدع بقول هو طفل وبّخه كما تشاء وتصرّف معه كما تشاء دون أن تلقي لهُ بالًا فهو سينسى!

  في الحقيقة دماغ الطفل يكون في حالة نمو وتطوّر، خاصةً في المناطق المتعلقة بمعالجة المشاعر والذاكرة؛ مما يجعله أكثر حساسية اتجاه التجارب السلبية وأكثر عرضةً لتخزينها للمدى البعيد. لذلك يجب على البالغين التعامل بحذرٍ شديد مع الأطفال وتفسير أسباب اتخاذهم للقرارات لا سيما قرارات الرفض، وأيضًا الاعتذار لهم إن بدر منكم ما يسوؤهم.

  لمساعدة الطفل على تخطي آثار صدمات الطفولة يجب توفير بيئة آمنة تشعره بالراحة والأمان، التحدث معه عن مشاعره ومشاركته إيّاها ومحاولة تغيير وجهة نظره حول المواقف السلبية التي مرّ بها والتركيز على المواقف الإيجابية، ممارسة تقنيات التهدئة معه التي تساعده على التحكم في مشاعر القلق، الدعم النفسي إذا كان وضعه سيئًا مما يلزم تدخل معالج أو طبيب نفسي، وأفضل شيء هو التدخّل المبكر عند ظهور أيّ علامات لاضطرابات نفسية.

  إنّ صدمات الطفولة قد تُشكّل تحدياتٍ كبيرةً في حياة الفرد، لكنّها لا تُمثّل قدرًا مُحتومًا لا يمكن تغييره، فمع الوعي الكافي وفهم آليات عملها، يُمكننا توفير الدعم اللازم للأطفال المُتأثّرين بهذه الصدمات، ومساعدتهم على تجاوزها وبناء مستقبلٍ مُشرقٍ خالٍ من آثارها السلبية؛ ليصبح الطفل سويًّا نفسيًا وناجِحًا في حياته.