اقرأ حتى أراك

من لا يقرأ فهو لا يمتلك من الثقافةِ شيئًا!



على مر السنوات ارتبطت القراءة بالثقافة، فلا قراءة يُمكنها أن تكون دون ثقافة ولا الثقافة يمكنها ذلك، ولكن من أدخل هذه الفكرة لعقولنا؟ 

من قام بربط القراءة بالثقافة وصور لنا صورة سائدة حول المُثقف الكئيب!

فعبث بذهننا وتصورنا على الفور قارئ مُكتئب ويُعاني من ضغطٍ فظيع في جوانب الحياة الاجتماعية، الأسرية، المهنية، الصحية ماعدا حياته الثقافية فهو سعيد! فبقدر حاجته إلى المال الذي يُنفقه في الأوراق يصنف نفسه سعيد ٌ بذلك الإنفاق ، وبقدر حاجته إلى الوقت لقضاء الرُبع منه مع الأُسرة والأصدقاء فهو سعيدٌ بقضاء ثلثه أو نصفه أو حتى كُله بالقراءة فهو سعيد بذلك !، وإن كان يُعاني من أعنف الآلام وأشد الأمراض قد يجد راحته في كِتابه وبين أوراقه..

ولأعد بِك عزيزي القارئ للخلف قليلًا وأعاود عليك السؤال: من همَّ بالربط بين القراءة والثقافة؟  هل يُمكنني شغل منصب المُثقفـ/ـة دون قِراءة؟

وإن كان يُمكنني ذلك فكيف لي القيام به؟ هل من طريقة اتبعها ويتبعها من يحذو حذويّ فنكون مُثقفين دون قِراءة؟

في الحقيقة وبفضل من هُم حولي وعند نقاشي معهم يتبين أن القِراءة وحدها لا تصنع المُثقف! فكمْ من شخصٍ اعتكف على الكُتب وأمضى ثلث يومه يقرأ بلا كللٍ أو ملل وعندما تتحدث إليه تجده يتهرب من المنطق ويختبئ خلف حُججٍ هزيلة

وحدها القِراءة لا تكفي لصُنع إنسان لبيب ومُثقف، أما حينما تقرأ وتنظُر بعينيك متفحصاً، ويبدأ ذهنك باستيعاب الكلمات وتبني الأفكار فهكذا تنتُج الثقافة، لا يسعنا أن نتحدث عن ماهيّة الثقافة وتاريخ نشأتها وعوامل انتشارها ولكن يمكننا الالتفات للأمر المُهم وهو هالةُ "القارئ النهم" والذي اعتقد الناس أنه مثقف فقط لمجرد أن يقرأ، وهنا قد يكون وقع بالفخ وأصبح مجبورًا أن يظهر بتلك الشخصية "المثقفة" تبعًا لقراءته عددًا من الصفحات في مكتبه و دون امتلاكه لأدوات الحِوار والنقد فلا تُثبت ثقافته!.

قراءة المثقف: تبني سلوكيات الإنسان وقيمه، فيرى الحياة وتجاربها ويتذوق الأدب والفن فتكون نفسه سخيّة ومتواضعة، بينما القراءة "المغناطيسية" تكون فقط بجمع الكلمات فلا تعكس على قيمه وسلوكياته، أو حتى معرفته وكأنه مبروك في رواية أكثر بكثير، فيُصبح مقدمًا لعناوين قراءاته، لا تُغني قراءته ولا تسمن من جوعٍ، إذا الريح مالت مال حيثُ تميل، بقدر ما يقرأ بقدر ما يبقى جاهلًا لا يُدرك ما يقرأ، فـ"الرمح على أول ركزة" والقراءة المتعمقة ذات الهدف من أول جلسة. 

ولعل القراءة فعل وجودي يفعله أي مرء ولكن الثقافة هِي التي تصقُل ما يُقرأ، ولعل المثقف يستلهم مما يقرأ فيقوم بمراجعة الكُُتب مثلًا، والخروج خارج نطاق مكتبته والانخراط بهذه الحياة وتبني تلك المؤثرات والعمل وفقًا لها. 



وكمثالٍ على ما ورد فليستمر قلبك بالنبض أنت بحاجة إلى الهواء وتحديدًا O₂ فهو وسيلة النجاة والبقاء حيًّا وكذلك القراءة وسيلة لحياةٍ كريمة، وتحديدًا! القراءة "المُثقِّفة" هِي ما يحتاجهُ المرء ليغدو لبيبًا ويرغد في عيشه ويُحسن اختياراته. 

يُقال دومًا "أنت مرآةُ من تُصاحِب" وبالحقيقة! أنت مرآة ما تقرؤه!.

ولكن وفي حالة المثقف غير القارئ الأمر يختلف فهو يستقي علمه وثقافته من مصادر عديدة كتجاربه اليومية وما يمُر به وجلّساته وخلواته مع نفسه ومع حكماء قومه ومن يعرفهم فيمتلك لبابُ الفهم والمعرفة والثقافة، إضافةً إلى استقاء المعرفة بالاستماعِ للقاءات والورشات والدورات والإذاعة والبودكاست أو مساحات منصة إكس حتى! أو من خلال تنظيم بعض الأنشطة الفنية والثقافية للزيارة واستقاء الثقافة والمعرفة كزيارة المتاحف مثلًا أو السفر أو تجربة ثقافات الشعوب من خلال أطعمتها ومنتجاتها أو حضور المسرح والمؤتمرات والفعاليات؛ وهُنا يُحقق المرء هدفًا آخر وهو تكوين العلاقات

وأنت أيها القارئ قد تبني ثقافتك من خلال الإطلاع والبحث في التاريخ أو مشاهدة الأفلام الأجنبية سواءً كانت أمريكية، بريطانية، هندية، آسيوية، إيرانية، تركية، أسبانية، كما أن الإطلاع على الأحداث والأخبار الجارية في الجانب الاقتصادي (العقار، الاستثمار،أرباح الشركات، التداول، ريادة الأعمال، التجارة الإلكترونية والتي تُعد حديثُ المجتمع) أو الجانب السياسي

 أو الاجتماعي (أحلام وأهداف الأفراد، النجاحات التي نراها من أفراد المجتمع، تحوّل الجانب الثقافي وتطوره،و هذا التحول يؤثر على الأفراد والهيئات ، ومعرفة مشكلات المُجتمع، جذورها وأسبابها،و تأثيرها على المجتمع، حلولها بنظر المجتمع، الحلول الحقيقية لها،و مراحل علاجها) فالعالم مُتسارع وعلينا مواكبة تسارعه وأن نكون على علمٍ بمُجرياته. 

كُن على اطلاعٍ بالعلوم وأساسياتها، ليس من الضرورة أن يكون مجال تخصصك في الفيزياء لتتعرف عليه! فمن المهم وجود خلفية معرفية وثقافية بأساسيات العلوم، فالمعرفة أساسها العلم والعلوم تلك التي وصلنا إليها بعد عددٍ من المحاولات والتجارب والبحث والقراءة والاتفاق والاختلاف والدراسات والأبحاث، ولكن ليس المطلوب منك الانحصار والتعمق في مجالٍ واحد من مجالات العلوم وترك البقيّة دون تعلم، على العكس فأنت كمثقف عليك أن تتعلم القليل من كل علم مثل الفيزياء، والقليل في علم البرمجة، والقليل في علم الأحياء، والقليل في علم النفس وتطوير الذات، والقليل في علم الفلسفة، والقليل في علم الاجتماع، والقليل في علم الكيمياء، والقليل في علم الفضاء، والقليل في علم الاقتصاد، والقليل في علم الآثار والأحافير، والقليل في علوم المنطق، والقليل في علم الهندسة والصناعة كأن تكون لديك معرفةً بسيطة كيف تُصنع السيّارة! 

فمعرفتك للعلوم نقطة مهمة، فهي تكشف الحقائق عن الكون والمجرات والإنسان والطبيعة والجيولوجيا والأنثروبولوجيا والطب أيضًا، فحتى تصبح  مُثقفًا دون أن تقرأ كُتبًا لا بُد وأن تطلع على المزيد من العلوم وأن تتابع آخر المستجدات في العلم، وتتبع تطوراتها وتتزود بجديد الأخبار فيها؛ وهذا يؤهلك للبراعة في الحديث مع غيرك من أهل المجال ومختلف التخصصات بأمورٍ عِدّة والفِطنة والحرص على المعلومة الصحيحة في أحاديثك فلا تتحدث  بحديثٍ متذبذب لمن تلتقي بهم من أصحاب علمٍ ما.

كما أن تعلم لُغةٍ جديدة يساعد على اكتساب وتبادل الثقافات بين الشعوب وبالجهةِ المقابلة ومما هو شائعٌ بين الناس قول:  

«مَن تعلَّم لغة قومٍ أَمِن مكرهم»

وفي السنة النبوية فقد أمر النبيُّ ﷺ زيدَ بن ثابت أن يتعلم لغةَ اليهود للحاجة إلى ذلك، فتعلم اللغة عند الحاجة وللقدرة على سهولة الفهم والتعامل مع من يختلف عنّا بلغته الأم وثقافته أمرٌ حسن.

كما أن معرفة القصائد وأخبار الشعراء سواءً من العصر الحديثِ أم القديم كأمثال جرير وحسان بن ثابت وشعراء المعلقات السبع أو أحمد شوقي، السيّاب، الفرزدق، عبد العزيز جويدة، فاروق جويدة، أحمد رامي، محمود درويش وعلى المستوى المحليّ شعراء النبطي كالأمير عبد الله الفيصل، الأمير خالد الفيصل، الأمير بدر بن عبد المحسن والشاعر خلف بن هذال والشاعر شليويح العطاوي وهلُّم جرًّا. 

ولعلي أنصحك إن كُنت مهتمًا بالشعر ومجاله فعليك اختيار 6 قصائد مشهورة، وقراءتها والبحث عن معانيها والسعي لفهم معنى كل شطرٍ وبيتٍ من القصيدة؛ فتعلم الشعر وقراءته يساعد في معرفة الجُمل البلاغية والتشبيهية والمجازية، والتي تعد واحدة من السمات التي يتميز بها المثقف الفصيح، فتمتلك مخزونًا من المفردات والبلاغة والفصاحة، إضافةً إلى ارتباط الشعر وتعبيره عن الأدب والتاريخ والفن والتي تعد أهم الركائز المهمة والمفيدة في الثقافة والشعر هو لُغة العرب العاطفية ولِسانُ حالهم وأخبارهم… 



 

:المراجع

https://www.alriyadh.com/1540151

https://www.arageek.com/does-reading-make-a-knowledgeable-person

ماريا محمد
مدققة لغوية
ماريا محمد
رئيس التخطيط والتطوير
نهى الغامدي
مشرفة قسم المدونة
نهى الغامدي
محررة / كاتبة محتوى
خلود خالد البناء
منتجة وسائط متعددة
خلود خالد البناء
رئيسة قسم التصميم الإبداعي