المكانة الاجتماعية
بقلم/ العنود السبيعي
قبل مدةٍ من الزمان تجاذبت أطراف الحديث مع إحدى قريباتي، فقصّت عليّ أحد المواقف التي واجهتها وهي في زيارةٍ رسمية لمجتمع نسائي. تقول: كانت هنالك شخصيةٌ نسائيةٌ لها وجودها، وفي الجانب الآخر كانت تلك المرأة التي اتخذت نفسها أضحوكةً للجميع. فأخذت تتصرف بتصرفاتٍ غير لائقة وكأنها تُقلل من قيمة ذاتها لإسعاد - أو بالأحرى – لإضحاك من حولها عليها.
تساءلت بداخلي عن السبب الذي يدفع الإنسان لمثل هذه الأفعال وهي التقليل من شأنه لإرضاء غيره. بحثت عن الأمر فوجدت ما يُسمى ب "المكانة الاجتماعية"، والذي ينعكس على ردات فعل الفرد وسلوكياته وليس شخصه فقط. فالمرء في مجتمعه الذي ينتمي إليه يكون في حالةٍ من السعي لأن يتصرف بمثل سلوك غيره في الجماعة، فقط من أجل حصوله على القبول الاجتماعي، فيبذل ما بوسعه ليتفادى أن يُرفض أو حتى أن يكون منبوذًا، وذلك من خلال التزامه بمعايير الجماعة وقوانين المجتمع وأعرافه، فالقبول هنا يكسِبه المكانة الخاصة لدى مجتمعه.
وعندما يكتسب تلك المكانة الاجتماعية بسبب سلوكه وأفعاله يمكن أن تُصيّر عدة أحوال، مثلًا :
- بلوغ ثقة الفرد في نفسه إلى درجة الغرور
- انطواء الفرد وعدم تفاعله مع الجماعة
- الجهل، حين لا يكون الفرد واعيًا ومدركًا لمعايير السلوك الصحيحة
- الاستعداد للتقليل من النفس ما دام ذلك يُجدي بلفت الانتباه إليه
- الظلم، ويشتمل ممارسته على نفسه أو على الآخرين
- ربط الحالة المادية بالمكانة الاجتماعية وتقييم الآخرين والتعامل معهم بناءً عليها
ومن ثم تأتي المكانة الاجتماعية لتشير إلى وضع الشخص في نسقٍ اجتماعي من خلال علاقاته مع الآخرين، كمكانة الأب أو الأم داخل الأسرة، ومكانة المعلم لدى الطلاب، أو مكانة جماعة ضمن جماعات أخرى، وقد تكون المكانة موروثة أو مكتسبة.
والمكانة الاجتماعية تعكس الوضع الذي تم تحديده للفرد في الجماعة والمجتمع بناءً على عدة عوامل مثل: الدخل، الثروة، الرصيد البنكي، الأصول والعقارات الممتلكة، الصلة الاجتماعية، التعليم، الثقافة، الوظيفة، الحالة الاجتماعية. ويمكن أن تكون هذه العوامل من مجهود الفرد نفسه أو من خلال الخبرة الذاتية.
وتعتمد ظروف الفرد في عمله بدرجة كبيرة على طبقته. فأولئك الذين هم من الطبقة المتوسطة/العليا يتمتعون بحرية أكبر في مهنهم؛ وذلك لتلقيهم احترامًا وأهميةً أكبر، ويتمتعون بإمكانيتهم على إظهار بعض السلطة في حين حال التحدث عن الطبقة الوسطى فالأمر يختلف، فالعاملون فيها يعانون من عدم الرضا في العمل والوحشة وعدم إيجاد أنفسهم. ثم يتجلى أخيرًا ذاك الاختلاف على يد الظروف المادية في العمل التي تختلف باختلاف الطبقات.
يمكن أن نقسم الطبقات الاجتماعية بشكل هرمي:
"الطبقة الغنية والطبقة المتوسطة والطبقة العاملة"
الطبقة الغنية: والمقصود بها أصحاب الثروات، وعادةً ما يمتلكون السلطة السياسية الأقوى.
الطبقة المُتوسطة: طبقة دخلها مُتوسط، فلا هي فاحشةُ الثراء ومتملكةُ العقارات والأصول ولا هي بالتي دخلها ضعيفٌ للحد البليغ.
الطبقة العاملة: هم العاملون في وظائف أجورها مُنخفضة ولديهم ضمان اقتصادي كادحٌ جدًا.
وهنالك بعض الأطروحات والدراسات التي تؤكد بأن لا أحد يولد في طبقة مُعينة، بل أن هنالك عوامل وفروقًا ناتجة تؤثر على تواجد الشخص ضمن هذه الطبقة. ومن هذه الفروق المؤثرة على الطبقات:
الدخل.
الثروة.
التعليم.
الثقافة.
العلاقات أو ما تُسمى " الصلة الاجتماعية " والتي تنشأ من خلال مجهود المرء وخبرته.
وقِيل أن المكانة الاجتماعية هي جوهرية في تحديد كيفية تفاعل الفرد مع مجتمعه وطريقة نظر الآخرين له. إذ تنعكس المكانة الاجتماعية على العديد من الجوانب بدءًا بالتعليم والاقتصاد والوظيفة وصو لًا إلى العلاقات والثقافة وقيم الفرد الشخصية، ولذلك نجد أن للمكانة الاجتماعية أهمية وتأثيرًا على الفرد والمجتمع.
وقد أشارت العديد من الدراسات إلى ارتباط المكانة ارتباطًا وثيقًا وقويًا بالوضع الاقتصادي. فيمكن أن يؤدي النجاح المهني والثراء إلى ارتفاع المكانة الاجتماعية مما يتيح للفرد فرصًا أوسع وعلاقات أكثر وتأثيرًا عميقًا في المجتمع. وفي المقابل قد يكون العزوف عن العمل أو البطالة سببًا في خفض المكانة الاجتماعية للفرد، مما يعيق من فرصه ويؤثر على رؤيته في المجتمع.
ومن جانبٍ آخر، يلعب التعليم دورًا مُهمًا وكبيرًا في تحديد المكانة الاجتماعية. إذ يمكن أن يمنح التعليم الفرد مهارات ومعرفة بدورها تعزز من فُرص الفرد في الحياة، وهو بالتأكيد عامل من العوامل الرئيسية في تحسين الوضع الاقتصادي.
بالإضافة إلى أن التعليم يساهم في تشكيل الشخصية وبناء الثقة لديها؛ مما يؤثر إيجابًا على كيفية تفاعل الفرد مع بيئته ومجتمعه.
وكما يقول غاندي
"المكانة الاجتماعية تعكس لنا موقعنا في الحياة، وتحدد كيف يُنظر إلينا وكيف ننظر إلى أنفسنا"