لوحات سُلِبت أرواحها

لوحات سُلِبت أرواحها


في ‏صباح باكر بدأت اتصفح الجريدة الإلكترونية، والأخبار في منصات التواصل الاجتماعي وبين هذا وذاك وجدت أن العالم لازال يتسائل حول بعض اللوحات المفقودة أو دعني أقول المسروقة منذ سنين بعيدة وحتى الآن لم يجد طريقاً ليس لها ولا لسارقها. 

لكل لوحة من هذه اللوحات أسلوب بالرسم، قصة في إتيان الفكرة، حوار مع الشخصيات المرسومة" إن كانت حقيقية"، ساعاتٍ طويلة ذهبت من عُمر الرسام، عقباتٍ كثيرة حلّت أثناء رسمها، وقد يكون هُناك وقوفٌ مُتكرر، اختلفت اللوحات بسنين نشأتها وتفاصيلها ولكنها لم تتمكن من الاختلاف في أمر مصيرها. 

ومن هذه اللوحات التي سُلِبت من متحفها:

 ‏لوحة زهرة الخشخاش، فان جوخ  1898 م - متحف محمد محمود خليل، مصر.

 في عام 1977 كان الأمن قليل بالمتحف، الأمر الذي ساعد سارق اللوحة في المضي بسرقته وأخذ اللوحة وهرب بها، الجدير بالذكر أن لوحة ظلت مفقودة 10 سنوات حتى وجدها أحد الأشخاص في سوق شعبي بالكويت، ولكن هل القصة انتهت برجوعها للمتحف وبقائها فيه؟ لا فهي تعرضت لسرقة مرة أخرى في عام ،2010 الأمر الذي جعل قيمتها تصل إلى اكثر من 55 مليون دولار وحتى الآن لم يجدوا اللوحة. 

‏لوحة صورة شاب، للرسام رفائيل 1513- متحف تشارنوريسكي، بولندا.

خلال ‏الغزو النازيين لبولندا 1939 تأثرت البلاد كثيرًا بهذا الغزو ولكن تأثيره ليس على السكان فقط! بل وصل حتى الفن والتاريخ والأدب؛ إذ كان لهذه اللوحة نصيب من السرقة والضياع وبعد انتهاء الحرب تم البحث عنها ومسائلت هان فانك ( رئيس الشُرطة الألمانية السريّة) بشأن اللوحة ولكن لم يجدي ذلك بالنفع فهو لم يعترف بأي شيء حولها وحتى الآن (صورة شاب) مختفية وبلغت قيمتها 100 مليون دولار. 



 ‏لوحة الصرخة ، للرسام إدفارت مونك 1893- المتحف الوطني، أوسلو. 

 سُرقت اللوحة الموجودة في معرض عام 1994 أثناء انشغال النرويج باستضافتها للأولمبياد، واستعيدت بعد عدة أشهر، وفي عام 2004 تعرضت للسرقة ثانيةً مِن قِبل مسلحين خلال النهار ولكن المتحف استعادها بعد عامين، ولكن لأهميتها وللحِفاظ عليها هِي ونُسخها الثلاث المُتبقية تم بيعها في مزاد في مايو 2012 بمبلغ 119 مليون دولار. 



‏لوحة موناليزا، ليوناردو دافنشي 1503- متحف اللوفر، فرنسا. 

1911 قام مرمم اللُوح فينتشنزو بيروجي  بالاختباء حتى أقفل المُتحف أبوابه فقام بسرقة اللوحة والهرب بها إلى إيطاليا ووضعها في بيته، وتسببت هذه سرقة في رفع قيمتها وزيادة شُهرتها فهِي لم تكُن مشهورة في ذلك الوقت كما هو الحاصل في وقتنا الحالي؛ حديث الصحافة وتساؤلاتهم حول أن أعظم لوحة فنية تمت سرِقتُها، الأمر اللي زاد في شعبيتها وجعل آلاف من الناس يذهبون للمتحف لرؤية مكان اللوحة المفقودة، وبعد مُرور سنتين قرر بيعها للفنان الإيطالي ألفريدو جيري ولكن هذه البيعة لم تتم وتم إرجاعها إلى المتحف في فرنسا، ووصلت قيمتها إلى أكثر من 900 مليون دولار. 



‏تاريخ الفن واللوحات المفقودة غير منحصر على هذه اللوحات فقط!

فهناك الكثير من اللوحات التي اتلفت كلوحة "جسر واترلو" سُرِقت وتم حرفها وتخريبها وتعيير ملامحها، ولوحة "الحمامة مع البازرلا" التي سُرقت ومن المُحتمل أنه تم التخلص منها في سلة مهملات، ولوحة "عاصفة البحر الجليل" التي سُرقت ولم تسترد هي حتى الآن، ولوحة "الحفلة الموسيقية" التي سُرقت وتُعتبر الأعلى قيمة في العالم،‏ كما هو الحال مع لوحة "الشاعر المسكين" التي سُرقت ويُقال أنها ستبقى ضائعة للأبد.

 وحينما نتساءل عن سبب هذه الأفعال نجدها بالطبع تختلف باختلاف أشخاصها؛ فلكل فعل سبب يدفع المرء لهذا الفعل ولكل سبب نتيجة، وبالحديث عن النتيجة هنا فهي بالطبع وخيمة!.

 بعض الأشخاص يقدمون على هذا الفعل إنما سرقة كما ذكرت سابقًا أو إتلاف من أجل الانتقام، وممكن تتساءل ينتقم مِن مَن؟ فأجيب عليك أنه ينتقم من نفسه كونه لم ينجح يوماً أن يكون رسامًا، أو ينتقم لبلده كما فعل بيروجي وأراد إستعادة الموناليزا لبلد رسامها الأصلي، وفي حديثي عن البُلدان والأخذ بموجب السياسة تذكرت قصتا لوحة "اديل بلوخ باور" التي يُشاع أن النازيين قاموا بسرقتها وبالنهاية رجعت لأبني صاحبها، ولوحة "القُضاة العادلون" التي سرقت وترك اللص رِسالة يقول فيها " مأخوذة بموجب معاهدة فرساي" جزء منها تم استرداده أما بقية اللوحة فهي مفقودة، مصير اللوحة لم يكن بين أيدي عادلة وكأنها لم تحقق اسمها.

أو حتى قد تكون السرقة والإتلاف انتقامًا من الرسام نفسه وإتلاف ما تبقى من فنه حتى بعد مماته، وممكن أن يكون بدافع الاستفادة منها وبيعها بأسعار فلكية في السوق السوداء كما كانت تفعل العِصابات في ذلك الوقت وكما فعل والتر كين في لوحات زوجته مارغريت كين، في الحقيقة هو لم يسرق اللوحات ولكنه فعل الأبشع من ذلك! فقد كانت مارغريت توقع على لوحاتها باسم زوجها وكان ينشر اللوحات باسمه فيبيعها مستغلًا لعدم شهرة مارغريت وثقتها المُفرطة به، ولكن هذه الحِيلة لم تدوم فقد قامت مارغريت بمُحاكمته وطلب القاضي منهما أن يرسموا للتعرف على صاحب اللوحات الحقيقي فبرعت مارغريت في ذلك كون أن أسلوبها المختلف في الرسم لا تُخطأه العين الحاذِقة. 

وبالطبع هناك أسباب أخرى تدفع الأشخاص للسرقة، إتلاف، إحراق ، إخفاء اللوحات، فقد تكون من أجل الفن ومحبته الرسام أو اللوحة نفسها فيكون اللص مهوسًا باللوحة! أو حتى من هواة جمع الأعمال الفنية، أو لأسباب شخصية تتعلق بالمُعتقدات والأشخاص، وقد تكون مُقابل فدية من المتحف أو شركات التأمين، وهذا ما يفعله الكثير من اللصوص الذين لا يُمكنهم بيع اللوحات، فمن يشتري لوحة مسروقة؟ كونه لا يمكنه بيع اللوحة.  

ولكن السبب الأغرب! هي قصة رجل الأمن الألماني الذي قام باستبدال عددًا من اللوحات الفنية الأصلية بأخرى مُزيفة، فقد كان يهدف لبيعها والشراء بثمنها سلعًا فاخرة كساعات يد باهظة الثمن وسيارة فارِهة، إذ استبدل لوحة " حكاية الأمير الضفدع" - فرانز فون ستوك بنسخة مُزيفة وطرح النسخة الاصلية للبيع بالمزاد، كما قام بتزييف ثلاث لوحاتٍ أخرى منها 

"فتاتان تجمعان الأخشاب في الجبال"- فرانز فون ديفريغر وباعها عن طريق مزاد. 

وما بين سرقة اللوحات الثمينة يكون السؤال لماذا اللوحات غالية؟

  1. اسم الفنان وشهرته العالمية، حتى وإن كانت مسودة فهي مهمة عند محبين الفن. 
  2. بعد وفاة الفنان يرى الناس أن لوحات أصبحت بإصدارات محدودة.  
  3. مُلاك اللوحة يأثرون على سعرها، كأن يمتلكها شخصية مشهورة، أو ملكية. 
  4. القيمة التاريخية والأحداث التاريخية في اللوحة. 
  5. أسلوب الرسم يؤثر على السعر، كالفن التجريدي لدى السوق الأوروبي هو الأكثر طلبًا. 
  6. الحيل التي يتبعها بعض الفنانين بأن يرفعوا سعر اللوحات ليزداد الإقبال عليها وإثارة الجدل حولها مما يشجع الأثرياء على شرائها. 

"ليس للص منطق، ولا للربح في أكثر الأحيان مرجِع".

تُسمى هذه الجريمة بأسماءٍ عِدة ومن ضمنها الجريمة الراقية، لا يبرع في أدائها إلّا من كان داهيةَ عصره!، ومن كان دقيقًا في مُهمته، وبمُقارنةً بين اللوحات نَجِد أن بعضًا منها سُلِبت رُوحها حِينما سُرِقت وأُخرى بالضياع وأُخرى بالإتلاف.