صرخة الروح


كانو يتوارثون الخوف أبًا عن جد!

"كان الخوف يبدأ بولادتهم ولا ينتهي إلا مع موتهم! ولذلك كانوا يطلقون على هذا الخوف اسم الحياة!   "نيكوس


يقول أحدهم : " لما أبويا يبقى بيعاقبني عقوبة مفرطة على أسباب تافهة، مش غريب إني أمشي في الدنيا حاسس إن فيه مصيبة حتحصل حتى لو مفيش أسباب واضحة لحصولها"

عدم الأمان، ذلك الشعور الذي يزعزع مجلس راحتك، ينشط قلقك وخوفك من المجهول، فيستثير أعصاب عقلك لترسل إشارات لجسدك أنك لا تشعر بالأمان دون أن تعلم السبب !

ترى العالم كمكان خطر وموحش، واعتقادك أن شيئا ما سيئًا سيحدث، وقد لا تجد أسبابًا واقعية، لكنك فقط تشعر بعدم الأمان، تمامًا مثل الصدمات والإساءات التي تشّربها عقلك وأنت طفل، لم تفهمها ولم تكن الأسباب كافية لتصنع منطقًا منها، لقد أؤذيت لأسباب واهية، لذا انفرط عقد المنطق داخلك، ولم تعد الأحداث بذهنك بحاجة لأن تكون
منطقية، فأصبح شعورك بعدم الأمان قائمًا وإن لم يكن له سبب قائم معه

"أن تكون أنت أنت.. يا لها من مهمة شاقة!" بول فاليري

الأمان النفسي بكل بساطة هو الشعور بالطمأنينة والتحرر من الخوف والقلق ، ويكون انعدام الأمان النفسي على النقيض من ذلك؛ أي هو الشعور الدائم بالخطر على النفس

...مسبباته•

يعود الشعور بعدم الأمان النفسي إلى التسلخات التي تعرضت لها في طفولتك، والتعليقات المؤذية والإساءات، جميعها سببت لك صدمات، فكما يقال إن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، نُقشت الصدمات واتخذت حيزًا داخلك.

الانتقادات المتكررة للطفل أو غياب أحد الوالدين، أو الدلال الزائد للطفل كلها تكوّن بالغًا يشعر بعدم الأمان الكافي.

 إن الإنتقادات الحادة على طفلٍ صغير ، أو مراهق، خاصة أن الطفل يأخذ وجهات نظر الوالدين كمسلمات عن أنفسهم، ويزيد الأمر سوءًا  إن كانت وجهات النظر تلك تحمل رسالة ضمنية ...أنك لست محبوبًا كما أنت، ستكون محبوبا إن كنت كما نتوقع منك 

إن انعدام الأمان قد يسبب لك أفكارًا سلبية وحادة في بيئة العمل مثل ( ستخسر العمل، لن يكون لديك مدخرات كافية، وظيفتك مهددة، أنت لا تعرف ما تفعله، ستخيب أمل الجميع بنتيجة عملك)! والكثير والكثير، لتصبح خائفًا من أي تهديد مباشر لأمانك المادي، رغم أنك في وظيفة مستقرة وتوفر لنفسك الأساسيات، إلا أن هنالك صوتًا خبيثًا ينقر في مؤخرة عقلك أنّ شيئًا سيئًا سيحدث ، وقد تسبب لنفسك صراعًا ومشاكل في وظيفتك إن اتبعت ذلك الشعور الوهمي لتصبح بالفعل فاقدًا لأمانك المادي!

كيف يتشكل الأمان النفسي داخلك؟

حاجة الإنسان للأمان النفسي حاجة أساسية للجسد مثلها مثل الغذاء والماء، وهي إحدى الحاجات الإنسانية التي تضمنها هرم ماسلو للإحتياجات، لذا يختل التوازن عند عدم تلبيتها، وعندما تلبي حاجتك الفزيولوجية يقل شعور عدم الأمان النفسي.

يلي ذلك الدعم العاطفي العائلي، إذا كان الطفل يتلقى الدعم والحب خصوصًا من الوالدين يصبح بالغًا أكثر كفاءة ورضا عن النفس، ويعزز عند الفرد الشعور الذي يحتاجه لمواجهة التهديدات العاطفية خاصةً في العلاقات العاطفية. العلاقة الصحية للطفل مع الوالدين تجنبه ذلك الخوف المبهم والقلق الثقيل، والعلاقة الداعمة من طرف العائلة تعزز من نور السكينة والطمأنينة داخل الطفل الذي سيصبح بالغًا.

الأمان النفسي مرتبط مباشرة بالأمان العاطفي في العلاقات، فالأشخاص الذين يعانون من فقدان الأمان العاطفي تكون علاقاتهم مليئة بالشكوك والمخاوف، وحالات من القلق وخوف الهجران وأن يتركهم المحب في أي يوم، لذا شعور الإنسان بأنه مرغوب فيه مهم جدًا، وتبدأ رغبة الشعور بالقبول منذ الصغر، وهي ضرورة لنمو وتطور الطفل، وغياب  البيئة الحاضنة لرغبات الطفل تعطل نمو أدوات التعامل مع العلاقات والعالم.

شعورك المزمن بالقلق من أمرٍ ما قد يسوء، أو أنك ستتعرض للأذى، يرجع لعدم الأمان العاطفي وزيادته تسبب قلقًا وزيادة في قلة الثقة بين الناس.

عدم وجود الأمان العاطفي يمكن أن يؤثر سلبًا على العلاقات، وتفاقم المشاكل العاطفية. قد يؤدي إلى الانعزال والانفصال بين الشريكين، وعدم الرغبة في التواصل وحل المشاكل المشتركة. الأمان العاطفي ضروري لبناء علاقة صحية ومستدامة.

 

:هنالك طرق للتغلب على عدم الأمان يمكنك استخدامها لتغيير وجهة نظرك وعقليتك

:واجه مشاعرك•

أحد العناصر المهمة للتغلب على انعدام الأمان هو أن تعترف بالمشكلة وتعمل بها، بدلاً من أن تجعلها تغمر داخلك وتترسب بباقي عقلك لتصبح جزءًا عصيًا لا تستطيع نزعه.

 بشكلٍ عام الرغبة في الهرب وتجنب مشاكل الحياة أمر طبيعي جدًا يمر به كل إنسان ، وعندما تبدو المشكلة غير مريحة نميل لتجاهلها وقمعها ، على أمل أن تحل نفسها بنفسها، رغم أننا نعلم أن ذلك مستحيل في بعض الأحيان إلا أنه تصرف يأتي كحماية لنفسك من ذلك الألم وصعوبة حل المشاكل، لذا بدلا من أن تجعل المشكلة تتفاقم
اعترف بشعورك لنفسك واسعَ للتغيير وتطبيق ذلك التغيير

:تحدي المعتقدات المُقيِّدة•

.تغيير عقليتك هو المفتاح لتغيير أي شيء على الإطلاق ، ومشاعر عدم الأمان جزء من ذلك

كمثال إذا كنت تعتقد أنك فاشل ولا تنجح وغبي، فإنّ أفعالك ستتبع هذا النمط من الأفكار ، ولكن إذا بدأت تقول لنفسك أنك ذكي وناجح وذو قيمة وواثق من نفسك، ستصبح كذلك

لكن كيف تبدأ ؟ أبدأ بالتعرف على الحديث السلبي مع النفس وحدد تلك الكلمات التي ترى عقلك يكررها لك كل مرة تفعل شيئا أو تقع في موقف يخيفك، قد تكون تلك الكلمات هي ما يحفز  شعور عدم الأمان لديك


ما الحياة إلا إنعكاس من أفكارك واعتقاداتك

ولكي تغير الحياة يجب عليك أولاً أن تغير

أفكارك ومعتقداتك
...... عصام شاكر ......


 واجه مخاوفك•

الفكرة وراء التغلب على عدم الأمان ليست في التحكم بما تقوله، أو تفعله، أو تشعر به، فهذا شيء غير منطقي ومستحيل، وإن حاولت ستبوء محاولاتك  بالفشل، لكن تعلم .أن تواجه مخاوفك

عندما تدرك أنه حتى مع حقيقة عدم الأمان لديك فإن المكان الأكثر أمانًا هو بداخلك، لأن هذا هو المكان الذي يتم فيه إخفاء قوتك الداخلية.

 حتى عندما تلتزم بخطوة التغلب على انعدام الأمان، إمنح نفسك الإذن بالشعور بعدم الأمان، لا تقاومه ولا ترفسه بعيدًا، لأنك عندما تحتضنه تستطيع أن تحول ذلك الشعور ليصبح مصدرًا تحويليًا للمعلومات، تتعلم عن نفسك أكثر وعن المسببات التي تجعلك تشعر بعدم الأمان وكيف تهدئ نفسك بنفسك

كن مستعدا لمواجهة العقبات•

أكبر العقبات تأتي من الداخل عندما نتعلم كيفية التعامل مع حالات عدم الأمان . حتى عندما تحدد معتقداتك المُقيِّدة وتتغلب عليها وتتوقف عن الأنماط الضارة مثل الكمال، ستظل تواجه عقبات في رحلتك. ستقابل شريكا سابقًا وتتذكر السبب الذي جعلك تشعر بعدم الأمان ، أو تنفصل عن شريك حالي وتجد نفسك غير قادر على التخلي عن الماضي .

ستزور عائلتك لقضاء العطلات وسيعود الحديث الذاتي السلبي القديم إلى عقلك. سوف تصل إلى مرحلة الاستقرار في رحلة فقدان الوزن . وتبدأ في الشعور بالسوء تجاه جسمك.

أي شيء في الحياة يستحق القيام به لن يكون سهلاً. ستواجه دائما حواجز على الطريق، ولكن ما يهم هو كيفية التعامل معها. هل ستسمح لها بإيقافك، أم أنها تجد طريقة للالتفاف حولك مرارا وتكرارًا ؟ هل تستسلم أم تحول العقبات إلى فرص وتحقق أهدافك ؟ عندما تكون مستعدًا لأي شيء، فإن التغلب على انعدام الأمن يأتي بشكل طبيعي

الأمان النفسي هو جسر يربط بين ذواتنا والعالم، وعدمه يجعلنا نعبر أودية الشك والقلق بدون مظلة واقية و يشكل تحديًا شخصيًا يتطلب النظر الصادق للداخل والعمل على تعزيز الثقة بالنفس والتأكيد على قيمتها، لذا عزيزي القارئ، إسعَ للإستثمار في رعاية صحتك النفسية واستمع لإحتياجاتك العاطفية، للتتحسن جودة حياتك وتصبح  أفضل نسخة من نفسك